تقرير خاص – البوصلة
بهدوء دبلوماسي وصيغة تنموية تقليدية، حط وفد رفيع من حكومة الدبيبة أمس الاثنين برئاسة وزير المواصلات محمد سالم الشهوبي، وعضوية وكيل وزارة الدفاع عبد السلام زوبي، في العاصمة التشادية إنجمينا، حيث كان في استقبالهم الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي في قصر توماي الرئاسي.
ورغم أن البيان الرسمي تحدّث عن تفعيل خطوط الطيران والتبادل التجاري، تكشف مصادر مطّلعة لـ”البوصلة” أن الزيارة حملت طابعًا مزدوجًا، أحدهما اقتصادي معلن، والآخر أمني واستخباراتي يرتبط مباشرة بالتطورات المتسارعة في إقليم الساحل والصحراء، وتحديدًا جنوب ليبيا.
وفق معلوماتنا، جاءت هذه الزيارة بتنسيق مباشر مع مكتب عبد الحميد الدبيبة، في إطار توجه استراتيجي جديد لحكومته يرمي إلى توسيع النفوذ في الجنوب مستغلًا أمرين متزامنين:
1. الفراغ الأمني الناجم عن حرب السودان وتفكك الحدود بين تشاد ودارفور.
2. تصاعد الضغوط على حكومة الوحدة من قبل خصومها في الشرق والغرب، ما يفرض خلق مساحات تأثير خارج النطاق التقليدي.
وبحسب مصدر دبلوماسي غرب أفريقي تحدّث لـ”البوصلة”، فإن اللقاء تخلله طرح مبادرة ليبية غير معلنة تتضمن:
• إعادة تفعيل اتفاقات أمنية تعود إلى ما قبل 2011.
• إنشاء نقطة تنسيق استخباراتي مشتركة قرب الحدود الجنوبية.
• تسهيلات لوجستية لتوسيع وجود الأجهزة الليبية في محيط سبها وأم الأرانب والقطرون.
هذه الخطوة لا تنفصل عن تحركات سابقة قامت بها حكومة الدبيبة، من بينها:
• زيارة وزراء التخطيط والدولة للشؤون الاقتصادية إلى القطرون ومرزق خلال الربع الأول من العام.
• إطلاق مشاريع خدمية رمزية في الجنوب تحت لافتة “العدالة التنموية”.
لكن وفق تحليل وحدة الرصد، فإن ما يُطبخ في الجنوب يتجاوز البنية التحتية، ويتعلق بمحاولة الدبيبة ترسيخ موطئ قدم ميداني يُعوّض ما خسره سياسيًا في معارك التمديد والشرعية. كما لا يمكن فصل هذه التحركات عن محاولات مناكفة القوات المسلحة الليبية التي تبسط سيطرتها على معظم مناطق الجنوب، عبر خلق بؤر صراع محتملة بذريعة مشروعات تنموية أو ملفات أمنية حساسة، وهو ما قد يُفضي إلى صدام مباشر بين الطرفين.
في هذا السياق، كشفت مصادر أمنية أن عبد الحميد الدبيبة ترأس اجتماعًا معلنًا ومتلفزًا مع عدد من القادة العسكريين في 14 مارس 2025 لمناقشة ملف التوطين والحدود الجنوبية، وجّه خلاله حديثه إلى مدير المخابرات العسكرية محمود حمزة قائلاً: “استعد يا محمود!”، في عبارة فُسّرت على أنها توجيه مباشر بالتحرك نحو الجنوب ميدانيًا واستخباراتيًا، وسط مخاوف من خلط أوراق السيطرة هناك.
بالتزامن، وتحديدًا في 30 مارس 2025، قام الفريق صدام حفتر، قائد القوات البرية في الجيش الليبي، بزيارة خاطفة إلى مدينة سبها، تفقد خلالها التمركزات والوضع الأمني، وعقد سلسلة لقاءات مع الضباط المحليين. ورغم أن الزيارة لم تُعلن رسميًا، إلا أن توقيتها يُفسَّر على أنه رسالة جاهزية وسيطرة من جانب القوات المسلحة، تؤكد بها أنها ممسكة بزمام الجنوب ولن تسمح بإعادة خلط الأوراق من خارج مؤسساتها.
وتأتي هذه الرسالة في أعقاب زيارة صدام حفتر إلى أنقرة، حيث حظي باستقبال رسمي رفيع شمل لقاءات مع مسؤولين عسكريين بارزين. الزيارة التي أثارت انتباه المراقبين لكونها جاءت إلى العاصمة التي طالما عُدّت الحليف الأول لحكومة الدبيبة، فتحت الباب أمام تساؤلات حول تحول في المقاربة التركية تجاه المعسكرين الليبيين، أو على الأقل، فتح قنوات موازية تحسّبًا لأي تحولات مرتقبة.
الملف الأمني كان حاضرًا بقوة، خصوصًا مع تقارير أممية حديثة حذّرت من تحركات متمردين سودانيين في مناطق الحدود الليبية-التشادية، ما يمنح السلطات الليبية فرصة لتقديم نفسها كشريك أمني فاعل أمام الأوروبيين والأميركيين، الذين يتابعون الوضع في الساحل بكثافة منذ انهيار اتفاق جوبا.
أما في الداخل، فترى مصادر أمنية أن زيارة إنجمينا تُعتبر رسالة مزدوجة:
• للخصوم في الشرق: بأن حكومة الدبيبة تتحرك خارج نطاقهم التقليدي.
• للغرب الليبي: بأن الحكومة “تحمي الخاصرة الرخوة” وتتوسّع في ملفات الأمن القومي.
حتى الآن، لم تُعلن أي نتائج مباشرة عن الزيارة، لكن الصور التي نُشرت من داخل القصر الرئاسي التشادي، والمستوى الرفيع للوفد، يشيران إلى أن ما قيل في العلن ليس إلا جزءًا بسيطًا مما تم الاتفاق عليه خلف الأبواب المغلقة