البوصلة | خاص
في خطوة وُصفت بأنها “كسر للجليد” بين حكومتي الشرق والغرب، أعلن مصرف ليبيا المركزي عن ترحيب رئيس حكومة بنغازي أسامة حماد بعقد لقاء مشترك مع رئيس حكومة طرابلس عبد الحميد الدبيبة، لمناقشة تنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية ومالية في ظل تصاعد الضغوط على الاقتصاد الوطني وتدهور قيمة الدينار.
لكن هذا الإعلان لم يكن عفويًا أو وليد اللحظة، بل جاء تتويجًا لسلسلة تحركات دقيقة قادها محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى خلال الأسابيع الماضية، بدعم غير معلن من أطراف دولية فاعلة، على رأسها الولايات المتحدة، وبمباركة صامتة من بعض العواصم الإقليمية.
المصرف في دور الوسيط.. ومنصة للعبور
مصادر البوصلة تؤكد أن المصرف المركزي، وبعلم بعثة الأمم المتحدة، تبنى منذ مارس دور الوسيط الفني بين الطرفين، مستفيدًا من الشرعية المالية التي يتمتع بها، بعيدًا عن التوترات السياسية. المحافظ ناجي عيسى قاد اتصالات منفصلة مع الطرفين، ونجح في خلق “قناة تواصل هادئة” بين حكومتي طرابلس وبنغازي، تمهيدًا للقاء غير معلن تم الترتيب له بدقة، وأكد الجانبان مبدئيًا حضوره شريطة عدم تسييسه.
هانا تيتيه والمجتمع الدولي: الضوء الأخضر جاء من نيويورك
في إحاطتها الأولى أمام مجلس الأمن، شددت المبعوثة الأممية الجديدة هانا تيتيه على ضرورة توحيد المؤسسات الاقتصادية والمالية كمدخل لتهيئة المشهد السياسي، معتبرة المصرف المركزي “ركنًا أساسيًا في عملية الاستقرار”.
في السياق ذاته، أكد المندوب الأمريكي أن توحيد الميزانية العامة للدولة بات ضرورة قصوى لمنع الانهيار الاقتصادي، داعيًا إلى الشفافية وتنسيق الإنفاق بين طرابلس وبنغازي، وهو ما عُدّ في نظر مراقبين بمثابة دعم مباشر لتحركات المصرف المركزي ومسعاه لعقد اللقاء بين الطرفين.
التحضيرات السرية: تونس كانت نقطة البداية
وفق ما كشفته مصادر دبلوماسية لـ البوصلة، شهدت العاصمة التونسية في أواخر مارس لقاءً غير رسمي ضم مستشارين اقتصاديين من حكومتي حماد والدبيبة، بحضور مراقب من بعثة الأمم المتحدة وخبير تقني من وزارة الخزانة الأمريكية، تم خلاله مناقشة سيناريوهات توحيد الميزانية واستحداث آليات دعم بديلة للمحروقات، إلى جانب مقترحات تقنية تتعلق بمراقبة الإنفاق.
دعم إقليمي متقاطع… انفتاح إماراتي، حذر تركي، وثقة مصرية مشروطة
تشير مصادر البوصلة إلى أن أبوظبي، التي تحتفظ بعلاقات متوازنة مع الطرفين، تتابع المبادرة باهتمام، وتُعد من بين العواصم القليلة القادرة على استضافة لقاء محتمل بين حماد والدبيبة، في حال التوافق على ذلك. الإمارات تطرح نفسها كوسيط موثوق، معزَّز بعلاقات مالية وتجارية مع كلا الجانبين.
في المقابل، تبدي تركيا، الحليف الرئيسي لحكومة طرابلس، تحفظًا غير معلن على اللقاء، خشية أن يؤدي الانفتاح على حكومة الشرق إلى إعادة توزيع النفوذ داخل المؤسسات الاقتصادية، بشكل قد يُضعف موقع أنقرة في ترتيبات ما بعد الإصلاح.
أما مصر، فتدعم المسار الاقتصادي بقوة، شريطة أن تُفضي أي تسوية إلى الحفاظ على وحدة واستقرار ليبيا وسلامة أراضيها، بعيدًا عن الاستقطابات الحادة أو المحاصصة السياسية، وتؤمن بأن توحيد المؤسسات الاقتصادية خطوة أساسية نحو الاستقرار المستدام.
احتمالات ما بعد اللقاء
اللقاء المتوقع بين حماد والدبيبة، إذا ما جرى بالفعل، قد يُشكّل قاعدة لتنسيق مشترك في عدد من الملفات، منها:
• إعداد ميزانية موحدة بتوافق الطرفين.
• مراجعة دعم المحروقات تمهيدًا لتحويله إلى دعم نقدي مباشر.
• التوافق على سياسات نقدية موحدة تحمي الدينار من المزيد من التدهور.
• تعزيز موارد المؤسسة الوطنية للنفط واستقرار التصدير.
خاتمة
اللقاء المنتظر ليس مجرد حدث بروتوكولي، بل هو أحد مفاتيح تفكيك الأزمة الليبية من البوابة الاقتصادية وهي الركيزة الاساسية للصراع بدفع من أطراف دولية واقليمية تدرك أن استمرار الانقسام المالي سيقود إلى انفجار اجتماعي واقتصادي يؤدي بدوره الى انفلات أمنى وربما صدام عسكرى شامل علي رقعة جغرافية استراتيجية وفى توقيت بالغ الحساسية لا يحتمل فيه الأقليم ولا سيما العالم صراعا مسلحا اضافيا ومزيد من الفوضي .