في وقت تعيش فيه ليبيا واحدة من أطول مراحل الانقسام السياسي بعد سقوط نظام معمر القذافي، تُعيد تركيا تشكيل نهجها تجاه هذا البلد الغارق في الأزمات. فبدلاً من المقاربة العسكرية المباشرة، اختارت أنقرة ما يمكن وصفه بـ”الحضور المستمر”، وهي سياسة تقوم على الانخراط المتوازن مع مختلف الأطراف، وفتح قنوات حوار في بلد لا تزال فيه المصالحة الشاملة بعيدة المنال.
وبحسب صحيفة تركيا اليوم، فبعد أكثر من عشر سنوات منذ انهيار النظام الليبي السابق، ولا تزال البلاد منقسمة بين حكومتين متنافستين: الأولى في الغرب، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في الشرق، بقيادة أسامة حماد، وتعمل تحت غطاء مجلس النواب في طبرق، هذا الانقسام أوقف الانتخابات، وأصاب مؤسسات الدولة بالجمود، وترك المشهد السياسي في حالة غموض مزمن.
وسط هذا المشهد المتأزم، برزت تركيا كلاعب إقليمي فاعل. بدأت أنقرة تدخلها الرسمي في ليبيا عام 2019 من خلال اتفاقية أمنية وبحرية مع حكومة طرابلس، أعقبتها مساعدات عسكرية أسهمت في وقف زحف قوات حفتر نحو العاصمة في 2020. إلا أن الدور التركي لم يتوقف عند هذا الحد؛ بل اتجه في السنوات الأخيرة نحو استراتيجية أكثر مرونة وشمولًا.
اليوم، تعمل الشركات التركية في شرق ليبيا، بما في ذلك بنغازي ودرنة، ضمن مشاريع لإعادة الإعمار بعد الكوارث الطبيعية، تحديدًا في أعقاب الفيضانات التي ضربت البلاد عام 2023. وتشمل هذه المشاريع إصلاح شبكات المياه، وترميم المباني العامة، وإعادة بناء البنية التحتية. هذه التحركات، في مناطق كانت تنظر سابقًا إلى أنقرة بعين العداء، تعكس تحولًا حقيقيًا في العلاقات.
وفي أكتوبر 2024، التقطت عدسات الكاميرات مشهدًا غير متوقع خلال معرض للصناعات الدفاعية في إسطنبول: صدام حفتر، نجل المشير، يجلس إلى جانب عماد الطرابلسي، وزير داخلية حكومة طرابلس، في حوار ودي مع مسؤولين أتراك. رغم أن الصورة غير رسمية، إلا أنها تحمل دلالات رمزية واضحة.
تركيا لا تعرض حلًا نهائيًا للأزمة الليبية، لكنها تخلق مساحة محتملة للحوار. في بلد ممزق مثل ليبيا، قد لا تبدأ المصالحة باتفاقات ضخمة، بل بخطوات محسوبة تعيد بناء الثقة، وهو ما تراهن عليه أنقرة في دورها الليبي الجديد.
