تقرير خاص – البوصلة
بين تحركات عسكرية هادئة، ولقاءات دبلوماسية مكثفة، وضغوط مالية متزايدة، تبدو واشنطن وكأنها تمهد لإعادة “ضبط المصنع” في ليبيا، في محاولة محتملة لإعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني بما يتماشى مع أولوياتها الاستراتيجية في شمال أفريقيا والبحر المتوسط.
في خطوة ذات دلالة، رست سفينة حربية أمريكية قبالة ميناء طرابلس منتصف أبريل الماضي، حيث التقى قادتها بمسؤولين سياسيين وعسكريين من حكومة الوحدة الوطنية. ولم تقتصر الزيارة على الغرب، بل انتقلت السفينة لاحقًا إلى بنغازي لإجراء لقاءات مباشرة مع قيادات عسكرية بارزة في الشرق الليبي، في تحرك نادر قد يحمل أبعادًا أعمق.
بالتزامن، وجهت وزارة الدفاع الأمريكية دعوات رسمية لقيادات عسكرية من الجانبين للمشاركة في “أسبوع العمليات الخاصة 2025”، وهو تجمع تدريبي دولي يُعتقد أنه يركز على تأهيل قوى أمنية مختارة للعمل في بيئات صراع معقدة تحت معايير قد تتماشى مع التصورات الأمريكية.
على المسار المالي، استضافت وزارة الخزانة الأمريكية وفدًا رفيعًا من حكومة الوحدة الوطنية، حيث دارت المحادثات، وفق ما رشح، حول إدارة العائدات النفطية والإيرادات العامة. تحركات تُفهم منها رغبة أمريكية في الدفع باتجاه تفاهم مشترك لإدارة موحدة للموارد المالية وميزانية عامة موحدة بين الشرق والغرب.
ثلاثة أهداف رئيسية وراء التحركات الأمريكية؟
مصادر دبلوماسية وتحليلية مطلعة أوضحت لـ”البوصلة” أن واشنطن قد تتحرك وفق خريطة دقيقة تتضمن ثلاثة أهداف رئيسية:
1. تحييد الموارد المالية كسلاح صراع
تسعى الولايات المتحدة، على ما يبدو، لإنشاء آلية محايدة وشفافة لإدارة الإيرادات، تضمن استمرار تدفق النفط، وتمنع الأطراف المحلية من استخدام المال كورقة ضغط أو تمويل للنزاعات المسلحة.
2. إعادة تشكيل القوى الأمنية المحلية
من خلال تدريبات “أسبوع العمليات الخاصة”، ربما تعمل واشنطن على إعادة إنتاج قوات أمنية ليبية بمواصفات فنية وتكتيكية متوافقة مع استراتيجيات مكافحة الإرهاب وضبط الحدود ومواجهة النفوذ الروسي المتنامي.
3. إزاحة اللاعبين الإقليميين
تشير بعض المعطيات إلى أن واشنطن تتحرك عبر قنوات مباشرة مع القيادات الليبية الرئيسية، متجنبة الاعتماد التقليدي على حلفائها الإقليميين مثل تركيا وبعض حلفاء موسكو، بما يعزز قدرتها على بناء توازن قوى جديد ومستقل نسبيًا.
خلفيات التحرك الأمريكي
التحرك الأمريكي الأخير يأتي، على الأرجح، ضمن إطار أوسع يتقاطع مع:
• تصاعد النفوذ الروسي، خصوصًا عبر تموضع مجموعات “فاغنر” في مواقع استراتيجية ليبية.
• توتر الأوضاع في منطقة الساحل الأفريقي بعد الانقلابات العسكرية وتنامي نشاط الجماعات المسلحة.
• الحاجة الملحة لدى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين لاستقرار إنتاج النفط الليبي كجزء من استراتيجيات تنويع الإمدادات بعيدًا عن مصادر النزاع.
مصادر غربية تحدثت إلى “البوصلة” لم تستبعد أن تكون ليبيا حاليًا بمثابة نقطة ارتكاز حيوية في الاستراتيجية الأمريكية لمراقبة ومنع تمدد الفوضى في شمال أفريقيا والبحر المتوسط.
خاتمة: نحو إعادة ضبط المصنع؟
لا يبدو أن التحركات الأمريكية تستهدف في هذه المرحلة تغيير النظام الليبي جذريًا، بل قد تركز على تصفير النظام السياسي القائم عبر إصلاحات مالية وأمنية محددة تضمن بقاء ليبيا في حالة استقرار نسبي، ريثما تنضج الظروف الإقليمية والدولية لعملية سياسية أوسع.
هل نحن أمام أول محاولة جدية من واشنطن لـ”ضبط المصنع” في ليبيا؟
سؤال تطرحه الوقائع المتسارعة على الأرض، وتبقى الإجابة مرهونة بتطورات المرحلة المقبلة.