Categories

تـقـريـر دولـي: فـي لـيـبـيـا الـفـســاد مـنـظـم والـدولـة تـدار بـمـنـطـق الـغـنــيـمـة

قال الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بن فيشمان، إن ليبيا تحوّلت إلى ما وصفه بـ”كليبتوقراطية صريحة”، في ظل جمود سياسي كامل واختفاء مليارات الدولارات من المال العام، واستمرار النخب الحاكمة في استخدام أصول الدولة لصالحها، في غياب أي مساءلة حقيقية.

ويضيف التقرير، الذي رصدته وترجمت أهم ما ورد فيه البوصلة، أن ليبيا تعاني من فشل اقتصادي مزدوج: تضخم التوظيف الحكومي الذي يستهلك أغلب ميزانية الدولة، ودعم الوقود الذي يمثّل أكثر من 20% من الناتج المحلي، وهو ما شجّع على التهريب لعقود، قبل أن يتضاءل حجمه مقارنة بحجم الفساد المالي الحالي.

ويؤكد التقرير أن ليبيا، التي يُفترض أن تكون من الدول الغنية بفضل مواردها النفطية، تُدار بمنطق الغنيمة، لا بمنطق الدولة. وقد وثّقت تقارير أممية ومصرفية اختفاء مليارات الدولارات، من بينها إيرادات نفطية لم تدخل حسابات البنك المركزي، وصفقات غامضة “لمقايضة” النفط بوقود الديزل لتوليد الكهرباء، ما فتح الباب أمام شبهات واسعة طالت المؤسسة العامة للكهرباء ومؤسسات مالية أخرى.

ويشير التقرير إلى أن ديوان المحاسبة الليبي لاحظ فجوة كبيرة بين الإيرادات الفعلية للنفط والمبالغ المودعة، وأن السفارات الغربية الكبرى، ومنها سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، عبّرت عن دعمها للديوان بعد تعرضه لحملة هجوم، مؤكدة على ضرورة استقلاله كمؤسسة رقابية سيادية.

وفي مشهد آخر يعكس عمق الفساد، تم اعتقال رئيس مكتب إدارة واسترداد الأصول الليبية في يناير الماضي، وهو ما وصفه التقرير بأنه تصرف يدعو للتساؤل، خاصة وأنه كان يحقق في مصادر تمويل حساسة.

كما أورد التقرير أن البنك المركزي ضخّ في مارس ما يقارب 2.3 مليار دولار من العملات الأجنبية في السوق المحلية لتوفير السيولة، ثم أعلن في أبريل عن خفض قيمة الدينار بنسبة 13%، في خطوة استباقية لمواجهة السوق السوداء للعملة.

أما على الصعيد السياسي، فيصف فيشمان المشهد بأنه “مجمد بالكامل”، مشيرًا إلى أن عبد الحميد الدبيبة، الذي انتُخب رئيسًا للحكومة المؤقتة عام 2021 من خلال منتدى الحوار السياسي الليبي، لا يزال في منصبه منذ أكثر من أربع سنوات، رغم أن ولايته كانت مؤقتة وكان من المفترض أن يسلّم السلطة في عام 2022.
ويضيف أن الدبيبة يواصل إدارة الحكومة دون مسار دستوري واضح، وسط فشل الهيئات التشريعية—كمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة—في التوصل إلى أي صيغة توافقية حقيقية، نظرًا لتشابك المصالح واستفادة الجميع من استمرار الوضع الراهن.

وفي ضوء هذا الانسداد، يرى الكاتب أن إدارة ترامب المقبلة قد تجد نفسها مضطرة لإلقاء ما وصفه بـ”قنبلة عقوبات” في وجه الشخصيات الليبية التي تُعرقل تشكيل حكومة موحدة. ويقترح التقرير فرض رقابة صارمة على الميزانية العامة والمؤسسات السيادية مثل المؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي، إضافة إلى تفعيل العقوبات الأميركية المتعلقة بالفساد والتعامل مع روسيا.

ويحذّر فيشمان من أن كل شهر يُهدر في المشهد الليبي الحالي سيؤدي إلى “مزيد من الفساد، ومفاوضات أصعب، وتوسع روسي أعمق”، مؤكدًا أن أوروبا لن تتمكن وحدها من احتواء هذا الانهيار السياسي والمالي دون انخراط أميركي مباشر.

    اترك تعليق

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني