في ظل موجة الأمطار الغزيرة التي ضربت بنغازي ليلة أمس، وما رافقها من غرق جزئي في عدد من الأحياء، شهدت المدينة واحدة من أكبر عمليات الاستجابة والتكاتف بين مختلف الأجهزة الخدمية والأمنية والإنسانية والمتطوعين، في مشهد يعكس قدرة المجتمع البنغازي على إدارة الأزمات بكفاءة ملحوظة.
رغم كثافة الأمطار التي سجّلت مستويات غير مسبوقة منذ عقود، تحركت المؤسسات المعنية بسرعة لاحتواء الموقف، وإعادة المدينة إلى وضعها الطبيعي في وقت قياسي.
أمطار قياسية تضع البنية التحتية تحت الاختبار
أكد مركز الأرصاد الجوية أن بنغازي سجّلت خلال الساعات الـ24 الماضية 41.6 ملم من الأمطار في وسط المدينة، و47 ملم في بنينا، و54 ملم في الأبيار، وهي أرقام تفوق المعدلات الطبيعية وتضع ضغطًا استثنائيًا على شبكات الصرف، هذه الكميات الاستثنائية تجاوزت القدرات التصميمية لشبكات التصريف، خاصة في الأحياء القديمة التي تعاني من تراكمات تاريخية في البنية التحتية.
رغم ذلك، استعادت المدينة صباح السبت حركة السير الطبيعية بعد ليلة صعبة شهدت تجمعات مياه محدودة في بعض المواقع الحيوية، سرعة الاستجابة وعدم تسجيل أي حالة وفاة أو فقدان يُعد إنجازًا يُحسب لصالح التنسيق بين الأجهزة المختلفة.
الهلال الأحمر.. استنفار إنساني في الميدان
شهدت الأحياء الأكثر تضررًا استجابة إنسانية لافتة من متطوعي جمعية الهلال الأحمر، الذين كثّفوا حضورهم في الشوارع لمساندة الأهالي، وإجلاء المتضررين، وتقديم الدعم العاجل للأسر التي واجهت صعوبات داخل منازلها، تدخل الهلال الأحمر تميز بالتنظيم والجاهزية، ما جعله شريكًا أساسيًا في جهود الإغاثة خلال الساعات الحرجة.
الأجهزة الأمنية والخدمية.. تنسيق فعال
بتعليمات مباشرة من مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا المهندس بالقاسم حفتر، باشرت فرق الطوارئ عملها فور بدء الأمطار، حيث دفعت بآليات شفط المياه وفرق الصيانة إلى الطرق المتضررة، التنسيق بين الجهات الخدمية والأمنية أسهم في فتح المسارات المختنقة وضمان انسيابية الحركة، خصوصًا في المناطق القديمة.
الأجهزة الأمنية كثّفت انتشارها في المحاور الرئيسية لتأمين المرور ومنع الحوادث، فيما شارك متطوعون من الأهالي في دعم جهود رفع المياه وتقديم المساعدة للمسنين والعائلات المحاصرة.
ظاهرة عالمية.. عندما تتجاوز الطبيعة حسابات المهندسين
التجارب العالمية تشير إلى أن الفيضانات المفاجئة تحدث حتى في أكثر المدن تجهيزًا، في أبريل 2024، غرقت شوارع دبي ومطارها تحت الأمطار رغم تصنيف بنيتها التحتية كواحدة من الأقوى عالميًا، والسبب تجاوز كميات الهطول للقدرات التصميمية لشبكات التصريف.
ما شهدته بنغازي يندرج ضمن هذا السياق العالمي، حيث كانت الأمطار أكثر غزارة بكثير من المعدلات المعتادة، وهو ما يفسر الغرق الجزئي في بعض الأحياء رغم جهود الاستعداد.
دروس مستفادة من الأزمة
ما شهدته بنغازي يعكس قدرة المدينة على التعامل مع الظروف الاستثنائية، لكنه يطرح أيضًا الحاجة الملحة لتطوير البنية التحتية، خاصة في الأحياء القديمة التي تعاني من تراكمات تاريخية، الاستثمار في تحديث شبكات الصرف وتوسيعها لمواكبة التغيرات المناخية أصبح ضرورة لا خيارًا.
في الوقت ذاته، أظهرت الاستجابة السريعة من جميع الأجهزة أن بنغازي تمتلك القدرة على إدارة الأزمات عندما يتحقق التنسيق والجاهزية، التلاحم بين المؤسسات والمتطوعين والأهالي شكّل عامل الحسم في تجاوز الأزمة بأقل الأضرار، وهو نموذج يستحق البناء عليه في المستقبل.





