Categories

“القاهرة” تحرك المياه الراكدة… فهل يكسر الليبيون الجمود الراهن؟

السياق السياسي والإطار العام للاجتماعات

تأتي اجتماعات مجلسي النواب والدولة في القاهرة وسط حالة من الجمود السياسي، حيث لا تزال ليبيا تعاني من ازدواجية السلطة التنفيذية، وعدم القدرة على تنظيم انتخابات، واستمرار الخلافات حول القوانين المنظمة للعملية السياسية.

هذه المشاورات، التي تحظى برعاية مصرية، تعكس استمرار القاهرة في لعب دور فاعل في الأزمة الليبية من خلال الوساطة بين كافة الأطراف، بهدف تحقيق استقرار سياسي وأمني في ليبيا، مع الحفاظ على توازن استراتيجي يمنع تغليب طرف على آخر. هذا الدور لا يقتصر على تسهيل المحادثات، بل يمتد إلى محاولات مصرية حثيثة لإيجاد توافقات قابلة للتنفيذ على الأرض.

لكن من زاوية أخرى، هناك تحديات داخلية وإقليمية تعرقل فرص تحقيق اختراق كبير في هذه الاجتماعات، إذ لا تزال هناك مصالح متضاربة بين الفاعلين المحليين والدوليين، ما يجعل التوصل إلى حلول شاملة أمراً معقداً.

  1. مجلس النواب: الرهان على توحيد السلطة التنفيذية كشرط للانتخابات

رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، أرسل رسائل واضحة خلال الاجتماع الافتتاحي، أبرزها:

رفض التدخلات الخارجية في الشأن الليبي، وهو موقف يتماشى مع السياسة المصرية، لكنه في الوقت ذاته يأتي في ظل وجود أطراف إقليمية أخرى متداخلة في الأزمة الليبية.

التأكيد على أن الانتخابات غير ممكنة في ظل وجود حكومتين متنافستين، وهو موقف استراتيجي لمجلس النواب الذي يصر على إنهاء ولاية حكومة عبد الحميد الدبيبة قبل أي استحقاق انتخابي.

تحذير من عودة الاقتتال الداخلي، وتحميل بعض السياسيين مسؤولية تأجيج الأزمة، في إشارة ضمنية إلى الدبيبة وحلفائه، الذين يرفضون التنازل عن السلطة دون ضمانات واضحة.

دور الجيش الوطني الليبي كضامن للاستقرار ومنع اندلاع نزاعات مسلحة جديدة، وهو ما يتماشى مع مواقف القاهرة التي ترى في المؤسسة العسكرية الليبية قوة يمكن التعويل عليها لضبط الأمن ومنع الفوضى.

لكن التحدي الرئيسي الذي يواجه مجلس النواب هنا هو كيفية فرض رؤيته دون أن يؤدي ذلك إلى تصعيد ميداني أو خلق واقع سياسي غير قابل للاستمرار.

  1. مجلس الدولة: ازدواجية التمثيل بين تكالة والمشري

حضر المجلس الأعلى للدولة بممثلين عن رئيسيه الفعليين، محمد تكالة وخالد المشري، وهو ما يعكس استمرار الانقسام داخل المجلس ذاته، ويطرح تساؤلات حول طبيعة التوجه الذي يسعى كل طرف إلى تحقيقه خلال هذه المشاورات.

خالد المشري، بصفته أحد أبرز الشخصيات الفاعلة في المشهد السياسي الليبي، أبدى موقفًا قوياً خلال الاجتماعات، مؤكداً أن أي حلول يجب أن تستند إلى الشرعية السياسية المنبثقة عن الاتفاقات السابقة، مشدداً على ضرورة ضمان مشاركة جميع الأطراف الفاعلة في أي تسوية مستقبلية. المشري يدرك أن أي تحركات لإعادة تشكيل السلطة التنفيذية دون إشراك المجلس الأعلى للدولة بشكل فعلي ستكون محكومة بالفشل، وهو ما يجعله يسعى إلى تعزيز دور المجلس كطرف رئيسي في أي اتفاق مستقبلي.

في المقابل، محمد تكالة، الذي يمثل شقاً من المجلس، أبدى ارتياحاً لمخرجات الاجتماع، خاصة فيما يتعلق بمناقشة إمكانية تشكيل حكومة جديدة، مما يثير تساؤلات حول طبيعة ارتباطه المستمر بالدبيبة، أم أنه تحول استراتيجي مدفوع بتكتيك جديد من رئيس الحكومة عبر حليفه داخل مجلس الدولة؟

هذا الانقسام يضعف موقف مجلس الدولة في هذه المشاورات، لكن وجود المشري كلاعب قوي يعزز من قدرة المجلس على فرض رؤيته، ويضع ضغوطاً على مجلس النواب لعدم اتخاذ قرارات منفردة دون توافق أوسع.

  1. التكتيك الجديد للدبيبة عبر تكالة؟

إذا ما تمعنا في الموقف الذي أبداه محمد تكالة خلال الاجتماع، نجد أنه قد يكون جزءًا من مناورة سياسية مدروسة من قبل عبد الحميد الدبيبة، الذي قد يستخدم تكالة كقناة خلفية للتأثير على مخرجات هذه الاجتماعات.

هذه الفرضية تستند إلى عدة نقاط:

الدبيبة يدرك أن شرعيته تتآكل مع استمرار الجمود السياسي، وبالتالي قد يكون يسعى لاحتواء أي محاولة لإزاحته عبر خلق مسارات تفاوضية موازية يسيطر عليها بشكل غير مباشر.

وجود تكالة في الاجتماعات وقبوله بمناقشة تشكيل حكومة جديدة قد يكون محاولة لضمان أن أي بديل محتمل للدبيبة سيظل تحت سيطرته أو على الأقل لن يكون معادياً له بالكامل.

من المحتمل أن يكون الدبيبة قد منح تكالة هامشاً للمناورة، بحيث يبقي على قنوات التواصل مفتوحة مع كافة الأطراف، دون أن يظهر علناً في موقف المتنازل عن السلطة.

لكن السؤال الأهم هنا: هل يقبل مجلس النواب والمجتمع الدولي بهذا التكتيك؟ أم أنه سيُنظر إلى أي دور مستقبلي لتكالة كامتداد لحكومة الدبيبة؟

    اترك تعليق

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني