Categories

أوراسيا ريفيو: تنفيذ اتفاق المناصب السيادية مفتاح إحياء العملية السياسية الليبية

تمثل الخطوات الأخيرة التي اتخذها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن الاتفاق حول المناصب السيادية واحدة من أهم التحركات السياسية التي يشهدها المشهد الليبي منذ سنوات طويلة من الجمود.

بحسب ما أشارت إليه الدكتورة ميرال صبري العشري في مقالها المنشور بصحيفة أوراسيا ريفيو الأمريكية، فإن الاتفاق الذي وُقّع في طرابلس بين لجنتي المجلسين يُعد خطوة نادرة في سياق الانقسامات العميقة التي تعصف بليبيا، ويكشف عن إمكانية – وإن كانت محدودة – لإحياء العملية السياسية المتوقفة.

المناصب السيادية

تأتي التطورات في ظل تزايد الضغوط الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، لدفع الأطراف الليبية نحو تنفيذ خارطة الطريق والتهيئة لاستحقاق انتخابي طال انتظاره، مقابل استمرار حالة الانقسام التي تهدد بنسف أي جهود إصلاح سياسي أو مؤسسي.

تؤكد الدكتورة العشري أن المناصب السيادية تمثل إحدى القضايا القليلة القادرة على خلق مساحة تفاهم بين المجلسين، نظرًا لارتباطها المباشر بالمؤسسات الحاسمة في العملية الانتخابية مثل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهيئة الرقابة الإدارية. وإعادة هيكلة هذه المؤسسات – إذا ما تمت عبر توافق فعلي – قد تمهد الطريق للانتخابات أو على الأقل تمنح المجلسين شرعية مضافة بوصفهما قادرين على إنتاج مخرجات مشتركة، رغم الخلافات الحادة بينهما.

وتتعامل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مع الاتفاق بوصفه نقطة اختبار جديدة للمجلسين. فدعوة البعثة لهما إلى البناء على ما تحقق، وفقًا لمتطلبات خارطة الطريق التي أعلنتها الممثلة الخاصة للأمين العام، هناء تيته، تعكس قلقًا متزايدًا من استمرار حالة الجمود.

وترى الدكتورة العشري أن مشاركة نائبة المبعوث الخاص، ستيفاني خوري، في حفل التوقيع تحمل رسالتين واضحتين: الأولى دعم الأمم المتحدة للاتفاق واعتبارها نفسها ضامنًا لتنفيذه، والثانية ربط أي تقدم حقيقي في ليبيا بالعمليات السياسية التي تجري تحت إشراف البعثة، ولا سيما بعد الانتقادات التي وُجهت إليها بشأن عدم تحقيق نتائج ملموسة في السنوات الماضية.

ضغوط إضافية من الجنائية الدولية

ويتزامن هذا الحراك السياسي مع ضغوط إضافية من المحكمة الجنائية الدولية، حيث تعهدت نائبة المدعي العام أمام مجلس الأمن بمواصلة التحقيقات حول ليبيا حتى 2026، في ظل قبول ليبيا اختصاص المحكمة بأثر رجعي حتى نهاية عام 2027. هذا التطور يعيد قضية العدالة والانتهاكات إلى الواجهة، ويضع أي ترتيبات سياسية أو أمنية في البلاد تحت سقف «المساءلة المحتملة»، وهو ما قد يقيّد تحركات بعض الأطراف أو يدفعها نحو تسويات أسرع لتفادي تدويل أوسع للقضية.

وفي خضم هذه الفوضى، يبرز تحذير قائد العام للقوات المسلحة، المشير خليفة حفتر، من أن استمرار الأزمة يهدد وحدة البلاد ويقوّض استقرارها، مؤكدًا أن الحلول الحقيقية يجب أن تصدر عن إرادة الشعب الليبي والحفاظ على وحدته الوطنية. ويرى حفتر أن التفاوت في الخدمات والتنمية بين مناطق البلاد يعمّق الانقسام ويُبقي الأزمة مفتوحة.

وأكدت الدكتورة العشري أن الأمم المتحدة تُحمّل المجلسين مسؤولية مباشرة، فخارطة الطريق وُضعت، والآليات طُرحت، وما تبقى هو الإرادة السياسية، أي تعطيل أو تراجع لن يكون مقبولًا، وسيُنظر إليه كعرقلة متعمدة لمسار الحل السياسي في ليبيا.

    اترك تعليق

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني