Categories

بين الماضي والحاضر … هل يُبـ.ـعث مـ.ـشروع بـ.ـيفن- سـ.ـفورزا من جديد؟

في لقاء جمع نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، موسى الكوني، بالسفير البريطاني مارتن لونغدن قبل يومين جرى الحديث عن ضرورة العمل بنظام الأقاليم الثلاثة، وفق رؤية الكوني التي اعتبرها “مسارًا لتحقيق الاستقرار”. هذه التصريحات اثارت جدلا كبيرا فى الأوساط الليبية وأبرزت تساؤلات عدة حول طبيعة الطرح وتوقيته، خصوصًا أن الكوني اختار السفير البريطاني تحديدًا لعرض هذه الرؤية، في ظل تاريخ بريطاني طويل من التدخلات السياسية التي ساهمت في إعادة رسم خرائط الدول، ومنها ليبيا.

تاريخيًا، لم يكن الحديث عن الأقاليم الثلاثة جديدًا في السياق الليبي، فقد سبق وأن طُرِح هذا النموذج في مشروع بيفن-سفورزا عام 1949، والذي سعى إلى تقسيم ليبيا إلى ثلاث مناطق خاضعة للوصاية الدولية:
• برقة تحت الإدارة البريطانية.
• طرابلس تحت الإدارة الإيطالية.
• فزان تحت الإدارة الفرنسية.

لاقى هذا المشروع رفضًا واسعًا وأسقط في الأمم المتحدة بفضل تصويت مندوب هايتي، مما أدى لاحقًا إلى إعلان استقلال ليبيا كدولة موحدة في عام 1951. ومع ذلك، لم تغب فكرة التقسيم كأداة لإعادة صياغة المشهد السياسي في ليبيا، حيث يتم استدعاؤها مجددًا تحت عناوين مختلفة، مثل الفيدرالية أو إعادة تنظيم الدولة إداريًا.

اختيار موسى الكوني لعرض رؤيته بشأن “نظام الأقاليم” أمام السفير البريطاني وليس أمام الأطراف الليبية، يثير تساؤلات حول طبيعة الدور البريطاني في هذه المرحلة. فمن المعلوم أن بريطانيا كانت لاعبًا رئيسيًا في التاريخ السياسي لليبيا منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تولت إدارة برقة، ثم دفعت لاحقًا نحو حلول تخدم نفوذها السياسي والاقتصادي.

بريطانيا، التي كانت طرفًا رئيسيًا في مشروع بيفن-سفورزا، لا تزال تحتفظ بنفوذها في ليبيا من خلال علاقاتها الدبلوماسية والاستخباراتية، ويبدو أن إعادة طرح نظام الأقاليم يتم في سياق استراتيجي قد يحمل أبعادًا أوسع من مجرد إعادة هيكلة الإدارة المحلية.

رغم أن موسى الكوني يُفترض أنه ممثل عن المنطقة الجنوبية “فزان” في المجلس الرئاسي، إلا أنه لم يزر منطقته منذ سنوات، ما يثير تساؤلات حول مدى تمثيله الفعلي لأهل المنطقة. في المقابل، يُطرح مشروع إعادة توزيع السلطات عبر نظام الأقاليم دون أن يكون هناك تفاعل حقيقي مع سكان هذه المناطق لمعرفة موقفهم من الطرح.

فى حين يرى مراقبون ومحللون أن فزان، التي تعرضت لإهمال متواصل على مدار عقود، تحتاج إلى حلول حقيقية لمعالجة التحديات الأمنية والتنموية، وليس إلى مقترحات قد تفتح الباب أمام إعادة إنتاج الانقسامات داخل ليبيا. لذا، فإن أي طرح حول “نظام الأقاليم” لا بد أن يُناقش أولًا في الداخل الليبي، بدلًا من أن يكون محل نقاش في لقاءات دبلوماسية خارجية.

تاريخيًا، أدت مشاريع التقسيم إلى إضعاف الدول وزيادة تدخلات الأطراف الخارجية في شؤونها. النماذج عديدة، بدءًا من تقسيم الهند وباكستان عام 1947، وصولًا إلى انفصال جنوب السودان عام 2011. في كل هذه الحالات، لم تؤد مشاريع التقسيم إلى استقرار، بل إلى مزيد من الصراعات السياسية والاقتصادية.

في السياق الليبي قد تحتاج البلاد الى معالجة إشكالية المركزية وتعزيز الحكم المحلى بيد أن أى محاولة لإعادة صياغة هيكل الدولة على أسس جغرافية بتدخل اجنبي وفى ظل ما شهدته البلاد من صراعات خلال العقد الماضي قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات الداخلية بدلًا من حلها، خاصة في ظل وجود أطراف دولية تسعى إلى إعادة رسم المشهد بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.

إعادة طرح فكرة “نظام الأقاليم” في هذا التوقيت، ومع طرف دبلوماسي كان له تاريخ في صياغة مشاريع التقسيم، يطرح تساؤلات جوهرية حول الأهداف الحقيقية لهذا الطرح. وإذا كان الحل السياسي في ليبيا يمر عبر إعادة هيكلة الدولة، فإن ذلك لا ينبغي أن يتم عبر قنوات خارجية، بل يجب أن يكون نابعًا من إرادة وطنية ليبية تضع مصلحة البلاد ووحدتها فوق أي اعتبارات أخرى

    اترك تعليق

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني