البوصلة – خاص
في توقيت يبدو محسوبًا بعناية، استضافت إسطنبول، يوم الجمعة 1 أغسطس 2025، قمة ثلاثية جمعت بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. اللقاء الذي جاء بعنوان “التعاون الإقليمي”، لم يُخفِ طابعه الأمني المرتبط بملف الهجرة، خصوصًا بعد الضربة القضائية التي تلقتها روما مؤخرًا من محكمة العدل الأوروبية.
في نهاية يوليو، أصدرت محكمة العدل الأوروبية قرارًا يقضي بعدم قانونية نقل طالبي اللجوء من الأراضي الإيطالية إلى مراكز احتجاز في ألبانيا، ما نسف عمليًا واحدة من أكثر الرهانات السياسية جرأة في سياسة ميلوني للهجرة. الاتفاق الإيطالي-الألباني الذي تم الترويج له كنموذج أوروبي جديد للردع والهندسة الخارجية لملف الهجرة، تلقّى ضربة موجعة.
في ضوء ذلك، تحركت روما بسرعة نحو خيار أكثر مرونة وقابلية للتحكم خارج الرقابة الأوروبية: ليبيا.
ليبيا دولة عبور بلا قيود أوروبية
وفق مصادر “البوصلة”، فإن قمة إسطنبول كانت في الأساس ردًّا تكتيكيًا على سقوط خيار ألبانيا. وبخلاف الأخيرة، تتيح ليبيا لإيطاليا هامشًا أكبر للاتفاقات الثنائية في الملفات الأمنية دون تدخل بروكسل أو المحاكم الأوروبية.
مذكرة التفاهم التي تبحثها روما مع طرابلس، وفق مصادر دبلوماسية، تشمل: تعزيز التنسيق البحري في صدّ قوارب الهجرة، إنشاء نقاط مراقبة ومراكز “فرز مبكر” في غرب ليبيا تحت إشراف مشترك، وتقديم دعم لوجستي وتقني للأجهزة الأمنية الليبية المنضوية تحت حكومة الدبيبة.
تركيا: الوسيط الوظيفي
اختيار إسطنبول كمسرح للقمة ليس تفصيلاً. تركيا، التي وقعت في 2016 اتفاقًا ناجحًا مع الاتحاد الأوروبي للحد من تدفق المهاجرين، تعرض اليوم تجربتها على الطاولة الليبية – ليس فقط بوصفها حليفًا سياسيًا لحكومة الدبيبة، بل باعتبارها المشغّل الميداني الأول غرب البلاد.
أنقرة تدير نفوذًا مركبًا في ليبيا، عسكري (عبر قاعدة الوطية ومجموعات التدريب)، استخباراتي (ارتباط مباشر بشخصيات نافذة في طرابلس)، لوجستي (عقود أمن حدود، نقل تقني، اتصالات بحرية)، وبالنسبة لميلوني، الحل التركي – الليبي يبدو أكثر نجاعة ومرونة من الحل الألباني المُجهض.
المصالح وراء الكواليس
بعيدًا عن شعارات التعاون والهجرة، فإن قمة إسطنبول مثّلت أيضًا: تثبيتًا مشتركًا لبقاء حكومة الدبيبة، التي تمثل ضمانًا لاستمرار مصالح تركيا وإيطاليا في ملفي الطاقة والموانئ. إعادة ترتيب أوراق النفوذ في غرب ليبيا، خصوصًا مع تراجع الدور الفرنسي، إطلاق تفاهمات اقتصادية غير مُعلنة في مجالات البنية التحتية والطاقة، قد تتكفل بها شركات تركية وإيطالية على حساب منافسين إقليميين.